اليوم الاخير لبائع الحمام

قد يكون الإسم عبثاً على صاحبه، وقد يحدد بعض سماته، وقد يكون عبئاً على الآخرين، هذا ما حدث للإبن الثاني لدخيل الله، الذي أسماه (عاشق) على اسم شاعر سمع قصيدته ذات مساء فأعجبته، هذا العشق خصّ به جزءاً كبيراً لنفسه، فأصبح الإبن أنانياً يريد أن يمتلك كل شيء. فمنذ أن بدأ عاشق يعي أن له اسماً مختلفاً عن الآخرين اختط لحياته نسقاً مغايراً لكل من حوله، وبالذات أخوه مانع، لذا قرر أن يكون العاشق والمعشوق اعتنى بهندامه، تعبت امه “فطيمة” من ذلك الهوس بالنظافة والتأنق، وأطلقت عليه سبيكة اسم “الأفندي” ربما تتوقع أن الأفندية هم الذين يتّسمون بالأناقة. كان له خزانة ملابسه الخاصة وقد سعى بكل جهده ان تكون له غرفته الخاصة فيما بعد، لم يعتمد عليه والده كثيراً، وبسبب ذلك لم يشارك أخاه مانع العمل في محل بيع الذل والبشوت، الأمر الذي ولد لدى دخيل الله الإحساس بأن (عاشق) كان من المفترض أن يكون ولّد شيوخ وليس ولد دخيل الله الضباوي، لذا فشخصية عاشق وهي تنمو في داخله تبقى غريبة عن حي الظهيرة، وبالتأكيد هي الصالحية، فالأفندي أو ولد الشيوخ يحتاج إلى قصر وليس بيتاً شعبياً يقطنه مع أخوين وثلاث أخوات وأم تبحث عن رضاه وسعادته حتى كاد أن يسمى “دلوعة أمه”، وأب يشغلته دنياه لكسب الرزق فلم يعيره أدنى إهتمام، ولم يعتمد عليه ليساعده في محل الزل بالديرة. اكتفى بما حصل عليه من تعليم بسيط، ليتحقق بعد ذلك بمعهد للتدريب على الإستخدام الآلة الكاتبة، ولكونها تعطي شيئاً من التميز أتقن الكتابة عليها بسرعة أعجبت من شاهده وهو يطبع الخطابات والتقارير، ليجبر وظيفة ناسخ في إحدى الدوائر الحكومية، وليكوّن بعد ذلك علاقات جيدة مع بعض الموظفين الذين أعجبوا بهيئة وحققوا شيئاً من غروره، وليتعرف من خلالهم فيما بعد على علية القوم والأثرياء، وليجد بعد زمن قصير بغيته عندما سنحت له الفرصة ليعرض خدماته على سويّر النسيجان بعد أن أعجب بجرأتها وثروتها، حين شارك بشهادته مع صديق له على شراء أرض لها، هذا الإعجاب تحول إلى زواج من إمرأة تكبره بعشر سنوات، ولتبدأ مرحلة جديدة في حياة عاشق بن دخيل الله الضباوي. الرواية سميرة طويلة بدأت مع ولادة دخيل الله الضباوي وأكملها دخيل بن مانع بن دخيل الله الضباوي، بين الجد والحفيد سميرة قد يعرفها البعض، في حيّ يسمى بالصالحية، في الجنوب الشرقي من وسط الرياض؛ هذه الرياض الشاهد الصامت لأناس يمارسون حياةً خاصة في أحيائهم، بعضهم لم يغادر أعماق المدينة، والآخر قذفته السنوات إلى الجهات الأربع شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً، فاختار كل إتجاه طبقة خاصة. وبعد… هذه الرياض المملوءة بأسرار الناس تبقى مكاناً يحتضن السادة والعبيد، الأغنياء والفقراء، الناجحين والفاشلين، وبكل تأكيد تحتضن العديد ممن آثر أن يكون على هامش الحياة، يولد ويموت دون أن يحرك ساكناً في عالم يموج بالمتغيرات، قد تختزن الرياض سميرة البعض، ولكن من المؤكد أن سيرة آل الضباوي تحكي قصة بعض الناس، ولكن قد لا تضيف شيئاً لحكاية مدينة.